الخميس، 14 مارس 2013

الخبز المسموم

الخبز المسموم

مدينة الاسكندرية ظهراً

سئمت من الانتظار . زحام بنكهة الضجيج والعشوائية يبتلع المدينة . انها ازمة وقود السيارات والانفلات الامني من جديد . تترقب عيني ادق التفاصيل في المشهد امامي لعلي اتصيد فريسة تسير في هذا الشارع بلونها الاسود المخطط بالأصفر وترتدي فوقها لافتة مكتوب عليها [ سيارة اجرة ] .
ها هي اخيراً تقترب مني ويبدو انها غير مرتبطة . انها لي .
ـ لا تحاولي الهرب يا حُلوة فأنت ملكي الآن .
اندفعتُ سريعاً نحو سيارة الاجرة منادياً " تاكسي "
و دون انتظار الرد فتحتُ الباب وجلستُ بجوار السائق .
حدجني بنظرة شيطانية وملامح وجهه ترسم علامات استفهام و تعجب
وقال بلهجته الركيكة :
 ـ عفواً يا سيد انا في تَريكي الي المنزل .
ـ كما تريد ولكني كنت اود ان اخبرك بأني مستعد لدفع ثلاثة اضعاف الأجرة .
في لمح البصر تحولت نظراته الي قبول وترحيب وملامح الوجه توحدت لتفرز ابتسامة عريضة قائلاً : ـ
ـ حسناً , كَبِلْتُ عردك , اتفكنا .
ـ اتفقنا

الساعة الثانية عشر ظهراً 
كعادة سائق الأجرة في وقت الزحام يمل من الصمت فبدأ بالحديث : ـ
ـ لا حول ولا كَوُة إلا بالله . كل هذا هو نتيجة لتلك السَورة . ويسمون أنفسهم سِوار .
 أهذه اخلاك السِوار ؟! يكتعون ارزاكنا ليل نهارٍ ويهدمون إكتِسَاد الدولة ؟! عليهم اللعنة.
ـ ولكنهم يدافعون عنك وعن هذه البلد , عن كرامتك وعرض اولادك وعن حُريتك . والأهم من ذلك يطالبون بالقصاص من قتلة الشهداء من ماتوا من اجلي واجلك واجل هذا الوطن .
يطالبون بالعدالة .
ـ ها هأ عدالة نعم نعم العدالة . لا تؤاخذني ولكن هل من العدالة كَتع التُرُكْ والهجوم علي الشُرتة وتَعتيل اشغالنا ؟
 انا لا يهمني غير أكل الخبز وإتعام اولادي. التِعام يا سيد التِعاااام . هذه هي الخُلاسة .
ـ اي خبز تتحدث عنه ؟ خبز يصغر يوما بعد يوم . خبز يسلب حريتك وكرامتك ؟
 إن تنازلت عن حريتك اليوم في سبيل كسرة خبز فغداً حينما لا تجد الخبز لن تعترض فانت تنازلت عن حق الاعتراض .
وتذكر ما كان يحدث لك عندما يعترضك ظابط ويفرض عليك إتاوات ويقاسمك في رزقك . أليسوا الثوار هم من منعوا عنك هذا ؟
ـ مممممم في الحكيكة احترمهم في هذا فَكَتْ . الأمر اختلف كثيراً لا يمكنني انكار ذلك . ولكنهم ايضاً يبالغون لماذا لا يكتفون بذلك . 
ـ سؤال وجيه . لأن هناك من ضحوا باغلي شئ عندهم و هي الحياة حتي ننعم بالحرية والعدل والحياة الكريمة ثم نذكرهم بالخير ونخلد اسمائهم في صفحات التاريخ. و هذا لم يتحقق حتي الآن بل علي العكس من قتلهم هو من ينعم بالحياة الكريمة . سأُبسِّط لك المسألة .
 اذا قررت يوماً ان تبيع كل ما تملك بيتك وسيارتك وملابسك واثاث البيت لتشتري مطعم كبير لتوفر لعائلتك حياة افضل. وعندما دفعت للبائع كل ماتملك قرر ان يخدعك واعطاك عربة فول صغيرة . فتجد نفسك في النهاية بلا مأوي , بلا كساء و بلا عمل مربح كما كان الحال من قبل .
وحينما لجأت الي العدالة لم ينصفك احد . ماذا كنت ستفعل؟
ـ مازا تَكول ؟ اُكسِم بالله لو حدث ذلك معي لكنت سأكتُل هذ الرجل واستولي علي ماله وبيته .
قاطعته سريعاً :
ـ وماذا لو هرب واخذ معه كل ما يملك .
ـ إذاً فهي الحرب . سأهاجم كل من يعرفهم وكل من ساعده علي الهرب وكل من ينتسب لاسمه واسم عائلته حتي استعيد ما سُرِكَ مني .
ـ قف عندك . هذا هو مايحدث الآن . الثوار هم انت والبائع النصاب هو النظام السابق و من ساعده علي الهرب هو النظام الحالي .
ـ لا لا المُكارنة لا تجوز . لا اعرف كيف ولكنها لا تجوز وانا لو كنت مكانهم لما فعلت ذلك . وانا مازلت مُسَمم علي رأي هذه ليست اخلاكِ السِوار هذه غوغائية . هذا ارهاب . وانا لايهمني امرهم ما يهمني هو أكل الخبز يا سيد .

فجأة انتفض جواله ينشد اغنية شعبية :
ربابة ربةُ البيتِ  تصب الخل في الزيتِ
لها عشر دجاجاتٍ وديكاً حسن الصوتِ

بعد أن انهي المُكالمة انطفأ وجهه وفرت دمعة من عينه وقال لي :
ـ استأذنك يا سيد يجب ان اذهب الي المستشفي الآن ابني في حالة خترة .
يمكنك النزول هنا ولا اريد الاجرة .
ـ لا انا ذاهب معك ربما تحتاج إلي المساعدة .

وصلنا الي المستشفي
بكاء ونواح يستقبلنا. نظر السائق الي زوجته والدموع تنهمر منها ركعت امامه وهي تبكي و تصرخ  :
الشرتة كتلت ابننا (بكاء) . كل ما فعله انه كان (بكاء) يتتبع المزاهرة كي يهتف معهم (بكاء ) .
ليته ماهتف (بكاء) ليته ما كال كلمة حرية (بكاء) .
(صمت وغضب) تسكُت الشرتة الكاتلة.
(صمت غضب) تسكت الشرتة الكاتلة (بكاء نواح ).
تركها السائق واتجه نحو السيارة ركبتُ معه .
في الطريق سألته :
ـ انا اقدر حالتك ولن اتركك في هذه الليلة حتي اطمئن عليك ولكني اود أن اعرف ماهي خططك .
ـ الكَساس يا سيد . انا كنت اكذب عليك . انا كنت اعلم أن السِوار علي حَك.
ولكني (دموع ـ بكاء ـ صمت) ولكني كنت اخاف علي زوجتي وابني لاني اعلم ان دمائنا لا تساوي شيئاً عندهم . خشيت ان لا يكتس احد لنا .
ولكني الآن لن اتنازل عن دم ابني فحياته تساوي عندي الكثير .
الكساس او الموت .
ـ اقدر شعورك وألتمس غضبك ولكن يجب أن تتجنب العنف السلمية هي المخرج الوح ....
ـ لا تُكمل . ولا تحاول أن تمنعني عن كرار ساتخذه الليلة . إن كنت تريد مشاهدة ما سيحدث فعليك أن لا تعاردني في شئ . أنا لن اكتس لابني فكت بل لكل شهداء المدينة .
 أدركت من كلامه أنه لا فائدة من اقناعه بالسلمية لن اخترق عقله . ولكن علي الأقل عملي كصحفي يلزمني أن أرافقه واتابع ما سيفعله .

بعد أن مررنا بوجوه مُخيفة في شوارع ضيقة وحواري اصغر من علب السردين لم أراها من قبل . توقفت السيارة نزل منها السائق وطلب مني أن أنتظره هنا.
عاد حاملاً علي كتفه الأيمن قاذف الصواريخ ار بي جي 7
ويده اليسري لا ليست يده بل يرتدي يد حديدية تخرج منها شفرات حادة
وفي رقبته معلقة صفيحة كبيرة عرفت فيما بعد أن بداخلها مادة البنزين



الساعة التاسعة مساءً
مديرية أمن الإسكندرية
وقف بالقرب من المبني وطلب مني الخروج من السيارة والابتعاد قدر المستطاع.
ابتعدت ووقفت في مكان استطيع منه متابعة ما سيحدث .
نزل هو ايضاً حمل الصندوق الذي بداخله قاذف الصواريخ وترك البنزين في السيارة .
ابتعد قليلاً ثم صوب الصاروخ علي احدي مدرعات الأمن . تقدم عدد كبير من العساكر انتظر حتي اقتربوا من سيارته فصوب نحوهم مرة اخري . عاصفة من اللهب والصراخ والدماء انفجرت امامي .
عندما لمح السائق لواء شرطة ركض نحوه . اطلق عليه اللواء رصاصتين ولكنه استمر حتي صفعه بيده الحديدية في عينيه .
ثم قُبض عليه اخيراً .

السادسة صباحاً
ها أنا الآن افكر في كتابة مقال عن ما حدث امس .
كل الشبكات والبرامج الاخبارية لا تري في هذا السائق سوي إنه إرهابي .
لا اعرف من اين ابدأ .
اريد أن اختصر فقلبي لا يحتمل .
ها هي وجدتها .

قبل وبعد الإرهاب

يا ايها السادة الكرام من هو في نظركم الآن إرهابي قال لي عبارة قبل الإرهاب وعبارة اخرة بعد الإرهاب .
ـــــــــــــــــ
العبارة الأولي :
هل من العدالة قطع الطرق والهجوم علي اقسام الشرطة وتعطيل اشغال العامة ؟
  العبارة الثانية :
كنت اخاف علي زوجتي و ابني لانني اعلم أن دمائنا لن تساوي عندهم شيئاً .
والآن لن اترك دم ابني فحياته تساوي الكثير عندي .
القصاص أو الموت
ــــــــــــــــ
من يستحق المُحاكمة يا سادة؟
من يعطي الأوامر باسخدام القوة وقتل الناس ؟
أم من يرد العنف بالعنف والدم بالدم؟
حاكموا الرئيس يرحمك الله  

ــــــــــــــــــــــــــــــــتمتـــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــقلمـــاشرفـــــثروتــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق